نحن نهتم بذكرياتك
حينما دخلت من على باب المنصة صباح اليوم، باغتني مارك وعصابته وهم يهتفون:
” نحن نهتم بذكرياتك”
” نحن نهتم بذكرياتك”
نظرت اليهم، ثم الى مارك وقلت متهكماً:
حقاً.. ماذا تعرفون عني حتى تهتمون لذكرياتي ؟
توجه ناحيتي مارك و غمز بخبث بعينه اليسرى وقال
– نعرف الكثير عنك ، الكثييير ، بما فيها الـ …
قاطعته سريعا
– حسنا حسنا ايها الوغد! بماذا تريد ان تذكرني؟ ..
كلنا يعرف هذه العادة اللئيمة لموقع فيس بوك، يفعلها مع الجميع بلا استثناء حينما يدخلون عليه صباح يوم جميل لمتابعة الأخبار وهم يرتجفون ذعرا من غول (الفومو) FOMO *.
يذكرك فيس بوك بشيء حدث من سنوات طويلة جداً.
قد يكون أمر قديم ندمت عليه، مرات بشيء من السخرية، ومرات بشيء من التوبيخ.
في كل مرة يذكرني الفيسبوك بشيء طواه عقلي بجانب النسيان، مرة يسخر من طحالة فكري وتارة من ركاكة اسلوبي ، وأحيانا يوبخك على رداءة الفكرة والأسلوب جميعاً.
في مرات قليلة يكون لطيفا ويجلب لك من الذكريات السعيدة النادرة التي قد تجعل باقي اليوم كذلك، وكثيرا ما يكون سخيفا فيجلب منها ما نالك فيه أيامها ما نالك من معاناة وقسوة وضنك الأيام فينقبض قلبك خوف تكراره.
ذكريات بعضها فاتر وبعض غارق في الحماس ، تختلف النبرة والأسلوب بإختلاف المشاعر والاحاسيس التي شعر بها المرء لحظة كتابة أو مشاركة ذاك المنشور.
تشعر بالعار وتهمّ بحذف المنشور حتى لا يعثر عليه أحد الشامتون، ويزفونك بك اركان منصة التواصل الإجتماعي، وربما أرجاء المنصات المجاورة .
“نحن نهتم بذكرياتك ”
في هذه المرة (وبّخني) فيس بوك على أنني، منذ عام مضى، في مثل هذا اليوم كنت قد نشرت لقطة شاشة (سكرين شوت) من تطبيق اللغة الإنجليزية الذي استخدمه لتطوير الذخيرة اللغوية، حيث أنني- حسب كلامه – كنت (اتباهى) وقتها بإكمال تعلم 10 آلاف كلمة إنجليزية جديدة! فماذا يعني هذا؟
وحيث إن الأمر موثق و مثبت رقميا على التايم لاين، وبالدقيقة واليوم والشهر والسنة، لم استطع الإنكار.
لقد اشتركنا في كتابة ذلك المنشور و نشرناه مع تلك اللقطة من الشاشة، أنا واصابعي يدي الآثمة هاتين.
لأبرر هذا الجرم المشهود، وتلك الفعلة الشنيعة، لشخص يعاني من متلازمة المحتال مثلي، فلا بد ان استرجع الحدث بشيء من الدقة والوضوح، وأن استرجع شيء من ذلك الشعور الذي دفعني نحو كتابة المنشور.
الحقيقة انه عندما زفّ لي تطبيق الجوال ذلك الخبر، بأنني قد نجحت في تعلم هذه الآلاف من المفردات الإنجليزية الجديدة، في عام واحد فقط، لم استطع من منع اللغة من أن تضع تاج الفخر على رأسي، وحينما وضعته احتفاءا ، لم استطع منع نفسي من الإحساس بشيء من سعادة الإنجاز. وحيث أنه لا توجد منصة افضل من فيس بوك لإشاعة الخبر السعيد ، فما حدث ما حدث.
زَفَفْتُ ذلك الخبر، وتلكم البشرى بدوري على المنصة، هنأني نفر ليس بالقليل منهم، وتجاهل الأمر زمرة كبيرة، فوضعت لهم ما يناسب من الأعذار، وصببت اللوم على الخوارزمية اللعينة.
ولكن ماذا حقاً ماذا كان يعني هذا ؟
ما معنى النجاح في تعلم 10 آلاف كلمة جديدة ، بالذات لشخص مثلي، نال تعليمه في مدارس حكومية، لديه التزامات وظيفة إدارية، و مشروعا خاصا يديره فيما تبقى من الوقت.
رغم اني لم اصب الهدف الطموح بدقة، الهدف الذي وضعت لنفسي وهو تعلم ست وثلاثون الف كلمة في ذاك العام، أي ما يعادل ثلاثة آلاف كلمة شهرياً، إلا انه حينما ارسل لي التطبيق ذلك التنبيه فقد دهشت وتحسرت في ذات اللحظة.
دهشت لأن هذا الرقم يساوي ضعف عدد الكلمات التي تعلمتها خلال حياتي كلها، مرورا بجميع المراحل الدراسية الممكنة، ووصولاً للحياة العملية التي بدأتها مبكراً، قبل إكمال الدراسة الجامعية .
وتحسرت في ذات الوقت لكل السنوات التي ضاعت في سلوك سبل خاطئة، وفي تبني مفاهيم وأساليب تعيق وتأخر عملية التعلم، وتعقد بالضرورة مسيرتك المهنية.
حققت هذا الرقم الجديد بدون الانضمام لكورسات أو برامج دراسية رسمية.
كما لم أتخلَّ عن جلسات القهوة اليومية مع الأصدقاء، أو عن إكتشاف هوايات جديدة. مثل البيانو وآلة العود وغيرها.
الأهم أن هذا المسعى، وهذا الوقت الذي قضيته في التعلم لم يمس بوظيفتي الأساسية، كمدير تسويق يدير فريقًا من خمسة موظفين وينسق مهام العمل مع باقي إدارات الشركة، بل على العكس كان له أثراً إيجابياً كبيراً، حيث ساعد ذلك على سرعة فهم المصادر التعليمية والكورسات باللغة الإنجليزية.
انه لشعور جميل ان تمر بمفردة جديده، أثناء قراءتك لنص أو الاستماع لمقطع صوتي باللغة الإنجليزية، فتفهم الكلمة الجديدة في ذلك السياق بدون مشقة، حينما عليك دماغك بقليل من هرمونات السعادة.
هذه الكلمة هي نفسها التي كنت تقف سابقا كثيرا عندها لتسترجع معناها من اغوار الذاكرة فتهرع إلى القاموس لينقذك، تمر عليها الآن بسرعة ، حيث رسخ معناها في ذهنك واكتملت فهماً مع الجملة والسياق.
وحينما تجد نفسك وقد استخدمت هذه المفردة الجديدة لأول مرة في موقف ما، يتصاعد الى رأسك – رغما عن انفك – إحساس الفخر، برفقته شعور رائع ومحبب، فتوصم بعقدة الخواجة، ولكنك لا تهتم.
وقد تضبط دماغك متلبسا وهو يفكر بالتراكيب اللغوية الجديدة أو يتحدث الى نفسك بالعبارات الجديدة، فينال منك شعور الرضا. وتتوقع نفسك إدراك آفاق مستقبلية جديدة فينال منك الزهو.
وفي تلك اللحظة التي تأتيك فيها الجرأة على نفض الغبار عن كتاب أو رواية ما باللغة الجديدة، فتجد نفسك وقد فهمت نصيبا كبيراً دون الرجوع المتكرر لقاموس المساعد، كتاب لطالما كنت تنظر لغلافه سابقا بعين الخوف والرهبة فتتحاشاه، ولعلك كنت تكتفي منه بإحسن الاحوال بملخص مترجمة و قصيرة من هنا أو هناك، في تلك اللحظة لا يمكنك إلا أن تسمح لنفسك بشعور الفاتح المنتصر .
كان هذه هي المشاعر والتوقعات التي اصابتني لحظة مشاركة المنشور، والآن بعد مرور أكثر من عام على هذه الذكرى ، فلقد أكدت لي هذه التجربة أن تحقيق الأهداف الكبيرة في اللغات الأجنبية، أو مقاربة تحقيقها على الأقل، أمرا ممكنا دون التضحية بالجوانب المهمة من حياتك.
إنه حلم جميل، بل هدف كبير يستحق أن تضعه لنفسك في العام الجديد، وربما سوف تعمل على مشاركة سكرين شوت مع منشور تتباهي به بنجاحك في تحقيق مثل هكذا هدف.
إنه حلم جميل، بل هدف كبير يستحق أن تضعه لنفسك في العام الجديد، وربما تتباهى بلقطة شاشة من جوالك، مع منشور يزفان خبر نجاحك في تحقيق مثل هكذا هدف.
إنه هدف يستحق المحاولة، وذكرى تستحق الاحتفال.
– حسنا مارك! سوف اعيد مشاركة الذكرى هذه المرة.. اتمنى ان تكون سعيدا ايها الوغد.
—————-
* فومو هو اختصار لمصطلح انجليزي يعني الخوف من فوات الشيء
وحتى لا يصيبك غول (الفومو) يا صديقي، وتفوّت المنشورات القادمة، ويضيع عليك مارك القصص والنصائح الجميلة التي أكتبها عن تعلم اللغة وأشياء أخرى..
يجب على أن تقوم بالتالي فوراً .
1 تشارك هذا المنشور
2 تتابع صفحتي.
3 وتفعل خاصية المشاهدة أولا.
4 وتعمل لايك لشويه منشورات على صفحتي.
بس كده والله 🙂
محمد صلاح بلدينا