الإنجليزية : من الرهبة الى الشغف

كيف تساهم اللغة في بناء الأمل والهدف في الحياة – 1

لم أكن أعلم أن رواية (الحب في زمن الكوليرا) قد حصل بها كاتبها على جائزة نوبل في اﻷدب. ولقد تجنبت قراءتها لسنوات عديدة فلم أكن أضعها على قائمة الروايات التي أرغب في قراءتها، وقد يكون السبب هو عنوانها الذي احتوى كلمة (كوليرا). أو ربما لأن كتب التنمية “البشرية” التي داومت على قراءتها تلك الأيام والتي كانت تنضح بـالإيجابية بشكل مسرف جعلتني أتجنب كل ما هو “سلبي” على حد وصفهم

اللغة الإنجليزية
غلاف رواية الحب في زمن الكوليرا

لكن بحثي الدؤوب عن كتاباتٍ ونصوصٍ شيقة باللغة اﻹنجليزية لقراءتها لأجل إثراء الذخيرة اللغوية، كحيلة أدرأ بها الملل، ووسيلة أتوفر بها على الشعور بأنني في موقع السيطرة على حياتي بفعل شيء ما ذي قيمة، بما يشبه لعبة الكلمات المتقاطعة التي كان يتسلى به أجدادنا وآباؤنا يزجون بها الوقت قبل ظهور الهاتف الذكي واستحداث شتى أساليب الترفيه على هذه الأجهزة الإلكترونية وما شاكلها مما أنتجت التكنولوجيا، دفعني هذا البحث إلى تقليب الذاكرة واسترجاع أسماء كتَّابٍ بارعين كنت قد استمتعت بكتاباتهم فيما مضى لقراءة المزيد من إنتاجهم الأدبي أو إعادة قراءة ما قرأته لهم سابقاً، ولكن باللغة اﻹنجليزية هذه المرة، ﻷهدافي سالفة الذكر.

تربع على عرش هؤلاء الكُتَّاب تشارلز ديكنز بلا منافس – ربما لقلة ما قرأت من روايات ذات ثقل أدبيٍّ طاغٍ- والذي يطربني وصفه الحقول في الريف الإنجليزي، والذي بلغ من البراعة والعذوبة حدَّاً جعلني أشعر بنسيم الريف الإنجليزي المنعش يصافح وجهي وأنا أقلِّب صفحات روايته (اوليفر تويست). قرأت له بعدها (ديفيد كوبرفيلد) ولكن مشاغل الحياة كانت لي المرصاد فحالت دون إكمالها. لكن حبي الكامن داخلي ﻷسلوبه الرائع دفعني إلى التزيُّدِ من أدبه باللغة الإنجليزية، فوقع اختياري على روايته (آمال عظيمة) لكني ما كدت أمضي في قراءتها حتى رأيتني أتركها؛ فاللغة التي كتب بها ديكنز في ذلك الوقت كانت تذخر بالكثير من المفردات غير المستخدمة في لغة اليوم، علما بأن هنالك نسخاً مبسطة من الرواية لكنني لم أشأ أن أتنازل عن متعة قراءة الروايات الكلاسيكة في نسختها الأصلية، خصوصا لكاتب مثل ديكنز. كما أنه لن يكون من المفيد لي أن تتراكم بذاكرتي مفردات عتيقة تلاشت عن قاموس العصر، فاهتديت له لحل هذه المعضلة بأن أشحذ الهمة والانتظار ريثما أصل إلى مستوى المتحدث الأصلي لعدد المفردات وهي 35 ألف مفردة حسب بعض الأراء، وسيكون لي عندها حرية التجوال في بحور الإنجليزية مع ديكنز وربما شكسبير وغيرهما من الكتاب والروائيين العظام، وبمواصلة بحثي عن أفضل الروايات لزيادة ذخيرتي اللغوية في اللغة الإنجليزية وقعت يدي على نسخة مبسطة من رواية (مرتفعات وذرنق) للكاتبة إميلي برونتي، ولكن ما أن أكملت بعض فصولها حتى اكتشفت أن الرواية أروع من أن تفوتني متعة قراءتها في نسختها الأصلية، ولذا تركت قراءتها وأنا أتوق لأن أعود للغوص في عوالمها في أقرب وقت ممكن، بعد تحقيق هدفي إياه بالوصول لمستوى المتحدث الأصلي من حيث متوسط عدد المفردات المعلومة.

غلاف رواية اوليفر تويست

 قبلها كنت قد بدأت قراءة (هاري بوتر) بحسب توصية بعض المقالات على الإنترنت لكن القصة تصبح صبيانية للغاية بعد دخول هاري بوتر لمدرسة السحر وتنافسه مع الصبيان الآخرين، فلم استطع شحذ دوافعي لمواصلة القراءة بعد أن أكملت ما يقارب نصف القصة، فلست مِن مَن يولعون بهذا النوع من الحكايات. ولكنها كانت جيدة للغاية فيما يتعلق باكتساب المزيد من المفردات الجديدة. كذلك قرأت عدداً من الصفحات الأولى من الجزء الأول من رواية (ملك الخواتم)، لكني لم أجدها مشوقةً بما يكفي للمتابعة. ثم قرأت بعضاً من الجزء الأول من رواية عجلة الزمن (عين العالم) وكانت رائعة للغاية إلا أنني لم أستطع المضيَّ فيها بسبب التشويش الذي عانيته من تشابه أسماء شخصياتها، فهي تحتاج شيئاً كثيراً من التركيز الذهني الذي لم أكن أتوفر عليه حينئذٍ

كان ذلك على صعيد الإخفاق في الحصول على محتوى جيد يتناسب مع غرضي ويتوافق ومستواي الحالي في اللغة اﻹنجليزية. أما على صعيد النجاح فلقد أكملت قراءة روايَتَيْ (موسم الهجرة الى الشمال) و(عرس الزين) لكني لم أجد رواياتٍ للطيب صالح مترجمةً سوى رواية (منسي) التي ترجمها مترجم عربيٌّ؛ فتحاشيتها وشرعت أنقب في الذاكرة عن كُتَّابٍ آخرين كنت قد قرأتُ لهم فيما مضى، فتذكرت أنني كنت قد استمتعت سابقاً برواية (مائة عام من العزلة)، وواقعيتها السحرية للكاتب غابريل غارسيا ماركيز. من ثَمَّ قررتُ أن يكونً الكتابُ القادم هو (الحب في زمن الكوليرا)، ولم لا؟

wedding of zein
غلاف رواية عرس الزين – النسخة الانجليزية

افتتح الكاتب روايته (الحب في زمن الكوليرا) بعبارة (لا مناص): ولسبب ما شدتني تلك العبارة ﻷكمل قراءة الصفحة اﻷولى ﻷفهم ملابسات الرواية وشخصياتها الإفتتاحية. الحقيقة أني لم أجد متعة كافية في الصفحات التالية ووجدت صعوبة في مواصلة القراءة صبيحة اليوم الثالث، ويبدو أن الدافع لأستمر حتى تلكم اللحظة كان سعيي لما يكون من معرفة مفردات جديدة مما يعطي شيئاً من شعور بالرضا يدفع بالتحفيز اللازم للاستمرار بتقليب الصفحات. في واقع الأمر كنت متشككاً في إمكانية أن استمر في قراءة الرواية، لكنني آثرتُ الصمود، وأن أعطي الرواية فرصة ثانية (أو ثالثة)؛ فهي غالباً لم تفز بتلك الجائزة العالمية الجائزة من هباءٍ

 صباح ذلك اليوم، وبعد كوبٍ من الشاي ثم من القهوة، وبلا دافع مني أعملتُ جهاز القارئ الإلكتروني وأنا آنئذٍ ضحية مفارقة الاختيار بين المضيِّ في الرواية أو الأخذ في  رواية أخرى، أو قراءة كتاب غير أدبي يساهم بشكل عملي في دفع عجلة الاقتصاد (الشخصي)، ضغط أصبعي تلقائياً على ملف الرواية وأخذت في القراءة وفي تأشير المفردات الجديدة، وعندما أكملت قراءة الصفحة الرابعة والعشرين كنتُ قد حصلت لسبب ما على جرعة كافية من الدوبامين جعلتني أدرك أنها ستكون رواية عظيمة، بل وأنها ستكون مصدر متعتي لما تبقى من هذا الشهر من أيامٍ، وربما لشهر قادم كذلك. وثمة أمر آخر..

فالرواية، حسب تطبيق الجوال الذي استخدمه لحسابِ عدد الكلمات التي أتعلمها على نحوٍ يوميٍّ، تذخر بما لا يقل عن (2500) كلمة جديدة. أي أنها تحوي قوت يومي (للعقل) ومقداره 55 كلمة جديدة؛ وذلك قدرٌ كافٍ لفترة شهر ونصف الشهر، إذا أنا واظبت على القراءة لساعتين في اليوم الواحد.

محمد صلاح بلدينا

www.bladina.com

اَضف تعليقك على المقال

بدء الدردشة
تواصل مع بلدينا
Bladina
اهلا كيف يمكنني مساعدتك ؟
%d مدونون معجبون بهذه: